.

.

الاثنين، 21 ديسمبر 2009

مآتمنا مدارسنا

مآتمنا مدارسنا
في هذا البحث نود التحدث عن المآتم الحسينية ودورها في نشر الإسلام ورسالات الأنبياء والحفاظ عليها، وإحياء القيم الرسالية وبناء الشخصية الاسلامية المناقبية الحية والشجاعة، التي تسير على خطى السبط الشهيد وتجسد قيم الوفاء والشجاعة والإباء والولاء، وترفض الذل والمهانة والخنوع للحاكم الظالم الفاسد والسلطان الجائر ورفض البيعة له، إذ أن كل ما عندنا هو من بركة عاشوراء وثورة الامام الحسين (عليه السلام) والمآتم الحسينية التي هي مدارسنا وجامعاتنا لتربية الأجيال وبناء المجتمع الاسلامي.
المآتم الحسينية مدراس لتربية الأجيال الرسالية العاملة والفاعلة في الساحة، وكذلك فإنها منطلق بناء اللبنات والقواعد الأولى للشخصية الاسلامية الرسالية، وقاعدة لإيجاد المجتمع الاسلامي المناقبي الذي يتحلى بالقيم والمبادىء والأسس الصحيحة للإسلام المحمدي العلوي الحسيني الأصيل.
لماذا نقول ذلك؟ وكيف تكون مآتمنا مدارسنا؟
نحن نقول مآتم الحسين (عليه السلام)، فمن هو الإمام الحسين؟ من هو السبط الشهيد؟ من هو الحسين الذي قال عنه جده المصطفى (صلى الله عليه وآله): "الحسن والحسين إمامان قام أو قعدا"؟ من هو الامام الحسين الذي يقال عنه: الحسين ثأر الله..وأسئلة كثيرة تطرح عن الإمام الحسين (عليه السلام)!
الإمام الحسين (عليه السلام) ذلك الإمام الذي ومنذ ولادته جاء الملك فطرس من السماء ليشفع له عند الله وليشافيه، وهو ذلك الانسان الذي تحدث عنه الرسول لأم سلمة وأوصاها بتربته التي وضعها في قارورة، وقال لها: إذا رأيتي هذه التربة قد تغير لونها الى الأحمر، فاعلمي بأن الحسين قد قتل واستشهد، والإمام الحسين هو الذي بكته ملائكة السماء وبكته السماء دما وبكاه كل حجر ومدر.
لابد من أن يقوم المجتمع الاسلامي والجيل الناشئ بدراسة حياة الامام الحسين منذ ولادته حتى شهادته، حتى يعرف من هو الإمام الحسين، لكي يعرف معنى: مآتمنا مدارسنا، وهذا واجب العالم والخطيب والمبلغ والأم والأب والانسان الرسالي ومسؤولية كل فرد يسير على منهج الحسين، أن يقوم بواجبه بتعريف حياته وسيرته (عليه السلام)، حتى يعرّف الناسَ والمجتمع والجيل الناشئ قيمة المآتم الحسينية، وأنها قواعد ومنطلقات لتعلم القيم الحياتية من الشجاعة والإباء والإقدام ومقاومة الظلم والإنحراف وعدم البيعة للظالم والسلطان الجائر ومنطلق للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
نحن نطالب الجيل الناشئ أن يتعلم ما ذكرناه خطوة خطوة، حتى يعرف ماذا تعني المآتم الحسينية، ولماذا يجتمع الشيعة وأتباع أهل البيت فيها لتعظيم الشعائر ولإحياء ذكرى عاشوراء وكربلاء وواقعة الطف والغاضريات ونينوى.
إن الامام الحسين (عليه السلام) الذي جسّد كل معاني الشجاعة والبطولة والإباء والقيم الإلهية الرسالية وكانت حركته إمتدادا لحركة الإنبياء، وبقي إسمه وذكره منذ اليوم الأول لولادته والى آخر يوم من حياته وبعد شهادته الحية والدامية، يطالبنا بتعلم الاسلام والتفقه في الدين وتعلم سيرة وسنة جده المصطفى التي قتل واستشهد من أجلها، حيث قال (عليه السلام): "إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسدا، وإنما خرجت لآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر،
وأسير بسيرة جدي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)".فكانت شهادة الإمام الحسين من أجل إحياء الصلاة وإقامتها في أوقاتها، كما قام هو بنفسه بإقامة الصلاة في ظهر عاشوراء وهو في ساحة الحرب واستشهد من أجل إقامتها نفر من أصحابه، وإستشهد الامام الحسين من أجل تشييد الدين والعمل به وبقيمه ومبادئه وأحكامه، والعمل بالقرآن وترك المحرمات التي كان يقوم بها الظالم يزيد وحزبه، حيث كانوا لا يتنهاون عن المحرمات والموبقات ويقتلون النفس المحرمة، فقال الامام الحسين (عليه السلام): "الا ترون الى الحق لا يعمل به، والى الباطل لا يتناهى عنه؟ فليرغب الانسان الى لقاء ربه، فإني لا أرى الموت الا سعادة والحياة مع الظالمين الا برما".
هذه هي شمة من حياة الامام الحسين وأهداف ثورته ونهضته المقدسة التي أصبحت خالدة الى قيام الساعة، تتجدد روعها وعطاؤها يوما بعد يوم وجيلا بعد جيل، وبقي الإمام الحسين خالداً مدى الدهر، واندثر ذكر أعدائه الأمويين من معاوية ويزيد وأتباع يزيد ومعسكر يزيد وإبن زياد وعمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن وحرملة وغيرهم، وأصبح ذكر الحسين في كل عام تُحيى ذكرى شهادته بحضور الملايين حول قبره وقبر أخيه أبي الفضل العباس قمر بني هاشم، وتصبح ساحة بين الحرمين ساحة العزاء والحب والولاء، هذه الساحة التي هي روضة من رياض الجنة.
لذلك لابد من الإهتمام بالمآتم والإستفادة منها الاستفادة الصحيحة في تربية الأجيال الصالحة المؤمنة الصادقة، التي تتخذ من حياة الامام الحسين وأهل بيته وأصحابه وحرمه نبراساً لها في الحياة، ومنطلقا للتحلي بالقيم الإلهية الرسالية، ومعلما من معالم الإشعاع الفكري والحضاري في الأمة، فالمآتم الحسينية منطلقاً لتربية الأجيال وتربية النفوس والقلوب وتهذيبها وترويجها لفعل الخير، والتحلي بالصفات المثلى التي كان الحسين وشهداء كربلاء يتحلون بها، بالاضافة الى الزينبيات الهاشميات اللاتي جسّدن معاني الاسلام الصحيح بالحضور الواقعي الشجاع في كربلاء، ليقاومن الإنحراف الأموي اليزيدي في الأمة، وليسجلن كل معاني الشجاعة والإيثار بحضورهم أولا في ساحة المعركة، وبتقديمهم لأبنائهن وإخوانهن شهداء من أجل القيم ثانيا، ويرين بأم أعينهن كيف يقطعون بالسيوف إرباً إرباً، وهن صابرات محتسبات من أجل أن يبقى الاسلام ويبقى دين محمد ويبقى ذكر علي وفاطمة والحسن ويبقى الإمام السجاد حياً، لتكون الذرية من نسله حتى قائمهم، يقومون بهداية البشرية ويكونوا أئمة الهدى والرحمة للعالمين، أسوة بجدهم المصطفى الذي كان خاتم الرسل ونبي الرحمة وهاديا للأمة من الضلالة والجهالة الى قيم الرسالة.
فإذا كانت المآتم الحسينية بهذه العظمة وهذه الأهمية، فهل من المعقول أن نأتي الى المآتم لنقضي أوقاتنا في لهو الحديث والغيبة والنميمة والتفاهات، أو أن نجعلها مكانا لتغفي فيها أعيننا وقلوبنا وأرواحنا عن ذكر الله والتعلم وأخذ العبرة؟!
أهل البيت (عليهم السلام) يدعوننا الى ترك الغيبة والنميمة والعمل بالصدق والأمانة والوفاء بالوعد والمسارعة الى فعل الخيرات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومقارعة الظالم ونصرة المظلوم!
ولولا ثورة الحسين ورسالة زينب ومجالس العزاء على الحسين بعد شهادته الدامية، لاندرس الاسلام، ولولا رسالة زينب لما عرف الحسين ولم تعرف ثورته وأسباب خروجه على الحاكم الظالم، فلذلك أوصى أئمتنا المعصومين أصحابهم وشيعتهم ومواليهم بإحياء مجالس الحسين، وكانوا يحيونها في كل عام وفي كل مناسبة، وكانوا يحيون ذكرى عاشوراء وينصبون مآتما على الحسين ويجمعون أبناءهم وأطفالهم ونساءهم ويذكرون مصيبة جدهم، ويطالبون شيعتهم ومحبيهم بإقامة المجالس على الحسين، من أجل أن تترسخ في نفوس الطفل الصغير والجيل الناشئ من الأطفال والشباب وسائر الأعمار الروح الكربلائية وقيم الثورة الحسينية، التي تدعو الى الخير والصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتحلي بالفضيلة والوفاء والشجاعة والإيثار والقيام بوجه الظلم ومقاومة الإنحراف.وفي كربلاء الطف وعاشوراء الحسين، كان للطفل الرضيع دوراً هاما في نصرة الحق وتلبية لنداء العقيدة ونداء داعي الله الذي بقي وحيداً لا ناصرَ له ولا معين، فقال الطفل عبد الله الرضيع: "لبيك داعي الله"، ولبى النداء بشهادته الحية والدامية بسهم حرملة بن كاهل الأسدي الذي نحره من الوريد الى الوريد وهو عطشاناً ضامئاً، ليكون الفدائي الأخير الذي فضح معسكر يزيد وإبن زياد وعمر بن سعد بإدعائهم الاسلام وهم لم يرحموا حتى الطفل الرضيع الذي لا ذنب له، فلم يسقوه شربة ماء بل سقوه المنون بسهم قطع نزاع القوم، ليكون هذا السهم ودم الشهيد الرضيع النواة الأولى لسقوط الدولة الأموية.
يجب إحياء الشعائر الحسينية التي أمرنا بها أئمتنا المعصومين، والى جانب إحياء هذه الشعائر وإحياء ذكرى مظلومية الطفل الرضيع (عليهم السلام)، لابد للزينبيات والفاطميات والسائرات على خط الرباب وليلى وأم كلثوم والهاشميات أن يجسدن في أنفسهن حياة السبط الشهيد والقيم التي جاء من أجلها، وحياة فاطمة الزهراء التي كان يطلق عليها أم أبيها، وعقيلة الطالبيات والهاشميات زينب الكبرى التي تحملت رسالة النهضة الحسينية، وسائر الهاشميات من أجل تربية أطفالنا التربية الاسلامية الصحيحة ضمن محيط إسلامي رسالي هادف، حتى نحيى حياة محمد وآل محمد ونموت مماتهم، ونجسد في أنفسنا روح القيم الدينية والأخلاق المناقبية التي ضحوا من أجلها وبذل الإمام الحسين من أجلها نفسه الزكية ودمه الزكي.
نسأل الله (سبحانه وتعالى) أن يوفق مجتمعنا الاسلامي وشيعة وأتباع أهل البيت أن يجعلوا من المآتم الحسينية منطلقاً للتربية الرسالية، وتعلم الأحكام الإلهية التي جاء بها القرآن الكريم، وتعلم سيرة وسنة وحياة الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وحياة وسيرة الأئمة المعصومين من آله، وتعلم سيرة وحياة فاطمة الزهراء وزينب الكبرى وسائر الفاطميات الهاشميات وسيرة شهداء كربلاء، لنجسد حقيقة الاسلام الرسالي القيمي الحقيقي في أنفسنا، ولتكون الشعائر الحسينية مقدمة لتزكية نفوسنا وتربيتها التربية الاسلامية الصحيحة والعمل بأحكام الله والإنتهاء عن نواهيه، حتى تكون مآتمنا حقيقة مدارسنا، وقوعد للإشعاع الفكري والحضاري في الأمة ونبراساً ومعلماً لنا في الحياة.