كذب الموت فالحسين مخلد
رغم كل ما قيل عن نهضة أبو الضيم الإمام الحسين بن علي (عليهما افضل الصلاة وازكى التسليم)، فإن المجال مازال مفتوحاً امام الجميع ليدلوا بدلوهم، و رغم كل ما قيل، الا اني لا اتصور ان احداً يجرؤ على القول باننا الممنا بجميع القضايا المتعلقة بثورة الامام الحسين (عليه السلام)، وانا على يقين ان الجميع يتفق معي انه كلما تعمقنا في مسألة النهضة الحسينية فإننا نكتشف أموراً وحقائق جديدة كانت غائبة عنا.
قد يعجب البعض حين اقول ان ذكرى عاشوراء ـ رغم كل ما تحمله من عواطف متلاطمة ـ ما هي الا نعمة من نعم الباري (عزّ وجل) علينا نحن كشيعة لاهل البيت (عليهم السلام) أن نحمده عليها، وقد يسألني البعض؛ كيف أصبحت عاشوراء نعمة؟!
فأجيب: بفضل ذكرى عاشوراء التي نحييها كشيعة لاهل البيت (عليهم السلام)، اصبحت رموز الظلم في العالم بشكل عام والاسلامي بشكل خاص يخشون ذكرى عاشوراء ويخشون حتى ذكر الامام الحسين (عليه السلام)، هذا الخوف بدأ منذ العهد الاموي الذي بسببه بدأ أئمة الضلال يحسبون الف حساب للأئمة من اهل البيت (سلام الله عليهم)، واستمر الى يومنا هذا، وبفضل شعار "يا لثارات الحسين" انتهى العهد الاموي الى غير رجعة، وبفضل ثورة سيد الشهداء (عليه السلام) اندثرت سلالة آل أبي سفيان (لعنه الله) كلياً ومحيت من الوجود الى الابد.
أمر استمرار الاسلام كان شيئا لا يريده الخط السفياني ان يحدث على الاطلاق، بل على العكس تماماً، فالخط السفياني كان يريد أن يمحو ذكر الإسلام.
حينما أُجبر ابو سفيان على الاسلام (ولا أقول اختار الاسلام)، قيل له: قل أشهد ان لا اله الا الله!
قال: اشهد ان لا اله الا الله..
وعندما قيل له: قل أشهد ان محمداً رسول الله!
قال: أما هذه، ففي النفس منها شيء.أ
يُعقل ان يصدر هكذا كلام من انسان اعتنق الاسلام عن اقتناع؟
الجواب: بالتأكيد لا.
ايعقل ان يصدر هكذا كلام من انسان ينوي للاسلام خيرا؟
الجواب: بالتأكيد لا.
وما نطق بها (لعنه الله) الا بعد الّتيا والتي، وبعد ان تم تهديده انه ان لم ينطق بها فدمه مهدور، وان رسول الله (صلى الله عليه واله) سيقتله.
ولا تسأل عن ابنه معاوية الذي هرب الى اليمن فقط حتى لا ينطق بالشهادة وخشية ان يقتله المسلمون، وحينما رجع الى الحجاز ودخل المدينة فقط قبل بضعة اشهر من وفاة الرسول (صلى الله عليه واله)، كان المسلمين يتحسرون على عدم تمكنهم من قتله من قبل ان يُجبر هو الاخر على الاسلام، لانهم كانوا متأكدين انه لا يضمر للاسلام أي خير، بل هو شديد الخطر عليه.
عندما ندرس قضية عاشوراء، علينا ان ندرسها من منظور تحليلي، علينا ان نسأل انفسنا:
لماذا خرج الامام (سلام الله عليه)؟ماذا كان سيحدث لو ان هولاء الاثنين وسبعين شخصاً لم يلتحقوا بالامام (عليه السلام)؟
ماذا كان سيحدث لو انهم قرروا الرجوع بعدما قال لهم (سلام الله عليه):
انتم في حل من أمري؟
هكذا يتعين علينا ان ندرس قضية عاشوراء!
عندما ندرس قضية عاشوراء، علينا ان ندرس ايضاً الاوضاع التي جعلت الامام (سلام الله عليه) يحس بأن كلمة لا اله الا الله لن تحيى الا بتضحية كهذه، حتى دون أن يلقى مساعدة من أي شخص، حتى أن محبي الامام (سلام الله عليه) الذين اتفقوا على وجوب قتال يزيد تحت مسميات مختلفة، انسحبوا حينما دخلت "ساعة الجد"، كمثال أذكر عبد الله بن جعفر، بالاضافة الى الكبار المتبقون من الصحابة التابعين، إنسحبوا عندما رأوا أن يزيد شخص قاسٍ لا يرحم، وأنه مصرّ على التعامل مع المسألة بقسوة، عندما استوعبوا ذلك، كل منهم هرب تاركين الإمام بمفرده تحت عناوين مختلفة، من أجل ذلك جاؤوا مقدمين النصيحة للإمام الحسين (سلام الله عليه) بعدم الخروج.
هكذا يتعين علينا ان ندرس قضية الثورة الحسينية، لا ان نسطر احداث تاريخية قد يتراءى للبعض انه لا علاقة لها بقضية عاشوراء.
أيضا علينا ان ننظر الى الاوضاع التي حدثت في المجتمع الإسلامي في مكة المكرمة والمدينة المنورة، ففي هذه المدن كان حبيب رب العالمين (صلى الله عليه واله) يعقد الرايات ويعطيها للمسلمين، وبفضل الله كانوا يتحدون امبراطورية الروم ويعودون منتصرين، كما حدث في غزوة تبوك على سبيل المثال، فما الذي حدث حتى ينقلب ذلك المجتمع من مصدّر للاسلام الى خطر على الاسلام، بحيث يستلم زمام الامور شخص مثل يزيد ويصبح بين ليلة وضحاها أميراً للمؤمنين!!! ويأتي زمان يرى فيه الامام (سلام الله عليه) ان لا خيار امامه سوى القيام بهذه التضحية التي لا مثيل لها على مر التاريخ.
وايضا علينا ان ننظر الى ما كان يحدث في مدينة الكوفة، فمدينة الكوفة لم تكن غريبة عن الاسلام، إنما الكوفة كانت نفس المدينة التي كان امير المؤمنين (سلام الله عليه) يأمر الناس بالمعروف وينهاهم عن المنكر، هذه المدينة نفسها، هي التي طوفوا فيها حرم أمير المؤمنين كأسارى، وهذا حدث خلال عقدين من الزمان لا أكثر.. إذاً كان هناك مرض يمكنه خلال فترة قصيرة أن يوصل مجتمعاً من ذلك الحال إلى نقيظه، إذاً هذا المرض مرض خطير جدا، وهذا ما أدركه الامام (سلام الله عليه) واتخذ اللازم لعلاجه قبل فوات الاوان.
لقد تحدى ابو الضيم بشجاعته الطبيعة البشرية التي تخشى الموت وتعشق الحياة، بسخريته من الموت واستهزائه بالحياة، كيف لا وقد طلب من اصحابه ان "يقوموا الى الموت" حين بدأت سهام الاعداء تمطر عليهم، بقوله (عليه السلام): قوموا يرحمكم الله الى الموت الذي لابد منه، فان هذه السهام رسل القوم اليكم.
على عاتقنا اليوم كشيعة لاهل البيت (عليهم السلام) مسوؤلية كبيرة، ينبغي علينا توضيح وقائع عاشوراء بدقة، علينا توضيح أحداث عاشوراء وأهداف خروج الإمام الحسين (سلام الله عليه) المتمثلة بكلماته: "ما خرجت أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، إنما خرجت طلباً للإصلاح في أمة جدي"، وقوله (سلام الله عليه): "يا أيها الناس، إن رسول الله (صلى الله عليه واله) قال: من رأى منكم سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله، فلم يغير عليه بقول ولا فعل، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله".
يجب علينا توضيح كل ذلك، وستحيطنا إن شاء الله ألطاف بقية الله الأعظم (أرواحنا فداه).
ختاماً؛ يروى ان رجل سأل الامام زين العابدين (عليه السلام) بعد واقعة عاشوراء عن النصر، اراد ان يعرف هل النصر كان حليف الحسين (عليه السلام) ام يزيد (لعنه الله)، فأجابه الامام (عليه السلام): هل تسمع صوت الأذان؟
فأجابه السائل: نعم.
حينئذ حدق الامام في وجه السائل، عندها أدرك السائل ان الامام (عليه السلام) قد اجابه على سؤاله، وفي نفس الوقت عرف السائل هدف ثورة الامام (عليه السلام)، عرف السائل ان الهدف من خروج أبي الضيم (سلام الله عليه) ما كان الا لإعلاء كلمة "لا اله الا الله، محمد رسول الله"، كلمة طالما التاعت منها بنو امية.
بقلم: عبد المهدي