.

.

الخميس، 27 أغسطس 2009


من يروي عطش الــفــــــــــاو ؟

كاظم فنجان الحمامي
وأنت تنظر إلى مدينة الفاو من واجهتها المائية تبدو لك اليوم مثل وجه امرأة عجوز قابعة في كوخها القصبي البائس, وتنزوي خلف مراسي سفن الصيد المهجورة. . امرأة مفجوعة طاردتها لعنة النفط, وأفزعتها الاعتداءات المتكررة, فجلست عند بوابة الكوخ بانكسار, لتروي للناس حكايات أشرس المعارك الكاسحة, وأعنف الاشتباكات الحربية المتهورة, وتسرد لهم فصول الهجمات المتلاحقة, وما انهمر فوق رأسها من حمم الراجمات والقاذفات والقاصفات, التي نبشت بصواريخها تربة الفاو, وقلبتها رأسا على عقب, فأحرقت الأخضر واليابس, وجرفت معالم المدينة القديمة, ودمرت بساتينها, وعبثت بواحاتها المزدانة بأشجار السدر والحناء, وحولتها إلى أكداس من الرماد الأسود. لكنك إن أمعنت النظر جيدا في بيوتاتها المشيدة بعد عام 1989, والمبعثرة حول أرصفتها المحطمة ستراها مدينة يعفر وجهها غبار الصحراء, وتحاصرها المياه المالحة, وتخنقها رطوبة الرياح الجنوبية الشرقية, المشبعة بزفرات جزر المحيط الهندي, ويكاد يقتلها العطش كل يوم, ويمكنك أن تحس بهمومها ومشاكلها حتى قبل أن تطأها قدمك, فقد طوقتها المستنقعات المنتشرة هنا وهناك, بما توفره من بيئة خصبة لتكاثر البعوض والذباب, وتوالد الخنازير البرية الهائجة.
توطدت علاقة المدينة بالبحر منذ بدايات العصر السومري, وارتبط مصيرها الملاحي بشط العرب منذ قرون. واكتسبت شهرة عالمية واسعة بعد ان مر بها قابلو التلغراف المحوري الدولي الذي كان يصل أوربا بالهند, ويمر بالفاو, ثم جاسك, فكراجي, وتوسعت في شهرتها بعد عام 1923 حينما صارت مقرا لسفن الحفر المشتركة بمشروع تعميق مدخل شط العرب من جهة البحر. وهو المشروع الذي كان يعرف بمشروع السد الخارجي, والذي أسفر عن فتح قناة بحرية جديدة, قادرة على استقبال السفن العابرة للمحيطات, أُطلق عليها قناة (روكا). وهي مفردة من المفردات الانجلو هندية, التي استخدمتها شركة الهند الشرقية آنذاك لتوثيق صورة هذه القناة في ذاكرتنا الملاحية. فالروكا تعني الوثيقة القانونية المكتوبة بخط اليد, والتي ينبغي عدم المساس بحدودها, وعدم التفريط بها. وقد عثرت بنفسي على هذا التفسير من خلال تعمقي في البحث والتنقيب عن سر الاسم الغريب, فوجدته في قاموس المفردات الانجلو هندية, وهي المفردات التي كانت تتعامل بها خطوط ومكاتب الشحن البحري في حوض الخليج العربي قبل القرن الماضي.
كانت السفن الخليجية القديمة تنطلق من الكويت والبحرين وقطر والإمارات فترفع أشرعتها بوجه الريح العاتية, وتمخر عباب البحر صوب مدينة الفاو, لتجلب المياه العذبة من منعطفات شط العرب, فتملي جرارها وخزاناتها بالماء الزلال, ثم تعود أدراجها إلى البنادر التي انطلقت منها لتقوم بتوزيع المياه هناك.
هذا آخر ما تبقى من ارصفة ميناء الفاو الذي كان الملاذ الآمن لأسطول الحفر البحري .
أمـــــا اليــــوم فقد انقلبت المعادلة وصارت مدينة الفاو تروي ظمأها من المياه المستوردة من قطر والإمارات والكويت, وتعيش علــــى ماء الـ (RO), الذي تحمله الصهاريج المرسلة إليها من البصرة, فقد طغت مياه البحر على الفاو, وتغلغلت الملوحة في جداولها, وارتفعت نسبتها فوق المعدلات المرفوضة, وصار ماؤها كالسم الزعاف. . اما سفن الصيد فقد تعطلت تماما ولم تعد تمارس نشاطها البحري بسبب الحملة (الوطنية) الرامية إلى حرمان سفن الصيد العراقية من مزولة صيد الأسماك في عرض البحر.
من يصدق أن أغنى مدينة نفطية في كوكب الأرض تعيش اليوم في هذه المملحة الصحراوية الخانقة ؟؟. ومن يصدق إن أقدم مدينة مينائية عراقية تطوي الآن أشرعتها الممزقة, لتستخدمها أكفانا لتاريخها المدفون في المقبرة, التي شيدتها من حطامات السفن المصلوبة على أرصفة مراسيها البالية ؟؟. ومن يصدق إن محطة السيطرة الملاحية في الفاو, والتي كانت تتحكم بحركة السفن الماخرة في حوض الخليج برمته, وكانت برقياتها اللاسلكية المشفرة بلغة (مورس) تصل إلى مقتربات مضيق هرمز ؟؟, فمن يصدق إن هذه المحطة ترزح الآن تحت الأنقاض ؟؟, ومن يصدق إن المدينة التي كانت رمزا للعطاء والثراء باتت تستجدي العطف والإحسان من السفن الرخيصة العابرة ؟؟. ومن يصدق ان أكبر شبكات خطوط النفط في الأوبك والأوابك تمر بين منازل سكان هذه المدينة البائسة, التي صارت رمزا من رموز الجوع والعطش ؟.

من المؤكد ان جماعتنا سيتذكرون الفاو, ولكن بعد بضعة أسابيع لاستخدامها مسرحا لحملاتهم الانتحابية القادمة, ثم يسدل الستار عليها بعد انتهاء موسم الانتخابات, لتموت من العطش, وتلفظ أنفاسها الأخيرة بين دعامات الأرصفة المصلوبة على الضفاف, وتغرق في مستنقعات الملح والوحل الأسود. .

الاثنين، 17 أغسطس 2009


أول من سبر أغوار الخليج
كاظم فنجان الحمامي
كانت سواحل العراق الجنوبية منطلقا لفرق المسح الهيدروغرافي, التي رسمت معالم المسالك الملاحية الأمينة, من مضيق (هرمز) وحتى (القرنة) حيث اقتران دجلة بالفرات. . فرق تحملت أهوال البحر, ومزاجه المتقلب, وبيئته القاسية. أخذت على عاتقها تحديد المسارات الصحيحة, التي ينبغي أن تسلكها السفن في طريقها نحو كل المرافئ والبنادر الخليجية. وتفننت في غرس فنارات الاسترشاد في أعماق الممرات الضيقة. ونجحت في تأثيث القنوات الضحلة بالعوامات والإشارات الملاحية. وأبدعت في نصب نقاط التثليث, وعلامات التسوية على ضفاف شط العرب وخور عبد الله. .
رجال امتزج عرقهم بأطيان الشواطئ الخاوية. وذوت أعمارهم في غياهب الأغوار السحيقة. وتبددت أحلامهم فوق الأمواج الصاخبة. وغاصت سيقانهم في أوحال الأنهار. ومشوا حفاة الأقدام بين أحراش القصب والبردي. وخنقتهم رياح (الكوس) المشبعة برطوبة المحيط الهندي, ومزقت أجسادهم ملوحة البحر. لكنهم تحدوا الصعاب. وصمدوا بوجه الظروف القاهرة. وتركوا لنا سفرا خالدا, مفعما بالوفاء والعطاء, ومعطرا بعبق رائحة البحر, ومنقوشا على مسطحاته المترامية الأطراف. .
كانوا يستخدمون الطرق البدائية في سبر الأعماق. ويستعينون بالأساليب التقليدية في الاستدلال على إحداثيات المواقع. ويهتدون بالحسابات الرياضية المضنية في حل المعضلات الهندسية. ومع ذلك نجحوا في مسح قيعان الخليج, وجالوا في أخاديد دلتا شط العرب. وكانت لهم الريادة في تشخيص ملامح السواحل. والتعرف على الممرات البحرية. ورصد تياراتها المائية. وتدوينها على خرائط كنتورية, مؤطرة بخطوط الطول والعرض. وموضحة بمقاييس الرسم. وتركوا لنا مكتبة عامرة بالخرائط والمخططات, والدراسات البحرية والنهرية. .
استقروا منذ بداية القرن الماضي في مدينة (الفاو). وانطلقوا من هناك في كل الاتجاهات المتاحة لهم. وارتبطوا فيما بعد بسلطة الموانئ العراقية. ورافقوا سفن الحفر المكلفة بتهذيب القنوات البحرية المؤدية إلى الموانئ الواقعة على شط العرب, وأزالوا الأطيان والترسبات الغرينية من قناة الروكا. وانيطت بهم مسئولية مراقبة تردي الأعماق بفعل الترسبات الهائلة, التي منيت بها شرايين العراق الملاحية. .
واكبوا عمليات حفر قناة (السد الخارجي Outer Bar). وقناة (السد الداخلي Inner Bar). وقناة (مدخل الفاو Fao Reach). وأسسوا قواعد أبراج فنارات التطابق, وحددوا خطوطها الوهمية. وواظبوا على صيانة قناة (سد كارون Karun Bar) في مواسم الفيضان. وحددوا مواقع الأرصفة المينائية. ونشروا مقاييس المد والجزر في الأماكن الحساسة. ووزعوا العوامات الملاحية على امتداد الممرات المخصصة للسفن. وشهدوا ولادة نهر (شط البصرة), وربطوه بخور الزبير. ونفذوا مشاريع صيانة السواحل العراقية. ورصدوا مناسيب المياه في كل المواسم. وكان لهم قصب السبق في الإبداع والتميز, فنالوا ارفع الدرجات المهنية في تخصصهم. وشهد لهم العالم كله بحسن الأداء, ودقة البيانات, ورصانة المعلومات. .
رجال أفذاذ تعاقبوا على رئاسة الفرق الهيدروغرافية والهيدرولوجية. وطبعوا بصماتهم في ذاكرة الطين والماء. .
مازالت آثارهم شاخصة في منعطفات شط العرب, ومقتربات خور عبد الله. آثار تحكي قصة الكفاح المرير في تعبيد الطرق البحرية فوق المسطحات الزرقاء. تجدهم في سيحان, والهارتة, والدورة, والمخراق, والواصلية, واللباني, والصنكر, والسراجي, والمعقل, ورأس البيشة, والهاتف, والقصبة. .
ومازالت صورهم مرتسمة على ضفاف الشواطئ المزدحمة بغابات النخيل, وتنبعث من رمال أم قصر وخور (السقة), وخور (بحرة), و(وربة). .
صور رائعة لقوافل المبدعين والمتميزين. اذكر منهم : مهدي موسى, ومحمد الحبوبي, وحسن محمود, وعبد المجيد محمد حسن, والكسندر فرجيبيان. ويوسف العامر. .
وتصاعدت وتيرة المسوحات البحرية على يد (فريد يوسف البسام). ذلك الرجل الحجازي القادم من قلب الصحراء العربية. فأضاف بخبرته المعهودة لمسات جديدة, أسهمت في توسيع آفاق المسوحات المائية, في خضم الكثافة المرورية, التي رافقت الحركة الملاحية شمال الخليج العربي. .
ثم جاء بعده (طالب جاسم محمد) ليكمل المسيرة بخطوات متصلة بجسور الماضي المزدهر. وتلاه (عيسى جاسب الطوب). ثم (عبد الرزاق جاسم). ومازن خريبط الخيون. وينهض بها الآن شاب طموح, هو سمير عبد علي مرزوق. .
كانت سفينتهم التي حملت اسم (الفاو) من أجمل السفن التخصصية. أنها سفينة رشيقة البدن. أنيقة المظهر. مغزلية القوام. تنساب في إبحارها, وتتبختر في مناورتها. وكأنها يخت ملكي صغير يعوم في فردوس الرافدين. أو عروس سومرية. أو مهرة عربية أصيلة, مزينة بالأنوار البهيجة, والصواري المتسامقة. تهابها السفن التجارية, وتغار منها النوارس والمراكب المحلية.
فخصصت لها إدارة الموانئ العراقية رصيفا معزولا عن بقية السفن الخدمية. خوفا عليها من أن تصاب بخدش بسيط يشوه طلعتها البهية. ثم صارت رمزا من رموز الطوابع البريدية في عدة إصدارات محلية. .لكنها للأسف الشديد تنزوي الآن بين السفن المحطمة. وترقد بين الزوارق المهملة. على الرغم من ماضيها الحافل بالنشاط الملاحي. وعلى الرغم من احتفاظها بنكهة الأجداد والآباء, الذين ساهموا في تدوين تاريخنا البحري.
وارى انه ينبغي علينا التفكير بجد في إعادة تأهيلها, وتحويلها إلى متحف بحري عائم. يعيد إلى الأذهان تلك الصور الرائعة من تراثنا البحري العريق. .

الأحد، 9 أغسطس 2009

من درر الامام علي عليه السلام

الأمانـيُّ حُلُـومٌ كاذِبَـةٌ
المَوَدَّةُ أقْرَبُ الرَّحِمِ
الدَّهْرُ مُوَكّلٌ بِتَشتُّتِ الآلاف
الكُتُبُ بَساتينُ الْعُلَماءِ
الصَّبْرُ عَلى مَضَضِ الْغُصَصِ يُوجِبُ الظَّفَرَ بِالْفُرَصِ
الصَّديقُ مَنْ كانَ ناهِياً عَنِ الظُّلْمِ وَالْعُدْوانِ مُعيناً عَلى الْبِرِّ وَالْإِحْسانِ
المُؤْمِنُ نَفْسُهُ أصْلَبُ مِنَ الصَّلْدِ و هُوَ أذَلُّ مِنَ الْعَبْدِ
الدُّنْيا غُرُورٌ حائِلٌ و سَرابٌ زائِلٌ و سَنادٌ مائِلٌ
الْكَريمُ يَرى أنّ مَكارِمَ أفْعالِه دَيْنٌ عَلَيْهِ يَقْضِيه
الحِكْمَةُ شَجَرَةٌ تَنْبُتُ فِي الْقَلْبِ و تُثْمِرُ عَلى اللِّسانِ
الرِّضا بِالْكَفافِ خَيْرٌ مِنَ السَّعْيِ فِي الْإِسْرافِ
الجَزَعُ لا يَدْفَعُ الْقَدَرَوَلكِنْ يُحْبِطُ الأَجْرَ
السَّعيدُ مَنْ خافَ الْعِقابَ فَآمَنَ و رَجَا الثَّوابَ فَأحْسَنَ
الصَّمْتُ يُكْسيكَ ثَوْبَ الْوَقارِ و يَكْفيكَ مَؤُنَةَ الْإِعْتِذارِ
الْمُؤْمِنُ مَنْ إِذا سُئِلَ أسْعَفَ و إِذا سَأَلَ خَفَّفَ
الدُّنْيا مُنْتَقِلَةٌ فانِيَةٌ إنْ بَقِيَتْ لَكَ لَمْ تَبْقَ لَها
الْإِيمانُ شَجَرَةٌ أصْلُهَا الْيَقينُ و فَرْعُهَا التُّقى و نَوْرُهَا الْحَياءُ و ثَمَرُهَا السَّخاءُ .
الصَّديقُ أَفْضَلُ عُدَّةً وَأَبْقى مَوَدَّةً

الثلاثاء، 4 أغسطس 2009

من انا ....مصممة الموقع

طفلة عاشت بين النخيل وأشجار الحناء تتأمل أروع ما خلق الله من انهار تحيط بالأرض الخضراء . تغفو على أنغام زقزقة العصافير وهديل الحمام وهدير الماء الجاري وتصحو دون أن تعلم ما خبأت لها الأقدار فإذا بطبول الحرب قرعت وأصوات القنابل دوت فدمرت بيت طفولتي وأحلامي .فما كان من الطفلة إلا أن ابتعدت إلى مكان بعيد تاركةً ورائها قلبا مكسورا. .....ولهذا ومن اجل إعادة البسمة لتلك الطفلة قررت أن اعمل هذا الموقع عن منطقتي الخضراء التي ستبقى إلى الأبد في قلبي لأني أنا الطفلة وقد أصبحت الآن فتاة